قصة قصيرة ( لن أهدم بيتي )

تحلقت الأسرة حول مائدة الإفطار وتلقت عيونهم بالتلفاز ينتظرون أن يحين موعد آذان المغرب في أول يوم من أيام الشهر المبارك. قالت الصغيرة وقد جلست بجانب أبيها وبدأت في تناول القطايف لقد تأخر آذان المغرب اليوم يا أبي قال أخوها في غيظ : وما يهمك أنت من آذان المغرب ؟ أنت مفطرة غضبت وقالت : بل أنا صائمة ولكن أبي قال إننا نفطر على صوت المدفع وقد سمعت عدة مدافع اليوم ولذلك أفطرت ثم توجهت إلى أبيها تستشهد به : أليس كذلك يا أبتي ؟ ضحك الوالد وضمها إليه - وهو يغمز بعينيه أخاها - ويقول : إنه لكذلك يابنية. سأل ياسر أباه متى يكون بيتنا الجديد جاهزا ؟ قال الوالد في ثقة : في العيد ننتقل إلى بيتنا بإذن الله..فجأة سمعت طرقات عنيفة على الباب قالت أم ياسر في ذعر : مهلا هذا الصوت أعرفه إنهم اليهود دخل بضعت جنود مدججين بالسلاح وهم يصويبون رشاشاتهم تجاه أهل البيت تسأل احدهم وهو يتلفت في قلق ظاهر : هل في البيت أحد غيركم ؟ قال أبو ياسر في هدوء وثبات : لا.. أشار إليهم الضابط المسؤل أن يتفرقوا في أنحاء المنزل للتفتيش التصقت الصغيرة بأبيها في ذعر : أبي ماذا يريدون منا ؟ ربت أبو ياسر على الصغيرة مهدئا قال الضابط : من كان في ضيافتك ليلة أمس ؟ هنا إرتفع آذان المغرب معلنا وقت الافطار. ردد أبو ياسر : الله أكبر الله أكبر ثم قال : لم يكن عندي أحد ليلة أمس. بل لقد كانوا هنا أخبرنا بذلك شخص يعرفك جيدا ويعرف ماذا رأى ونحن نثق في تعاونه معنا. أصر أبو ياسر على الإنكار جذبه الجنود وهم يضعون القيد في يديه.. ركل أحدهم الطفلة التي تعلقت به في فزع سقطت الطفلة على الأرض بينما وقف أخوها ياسر صارخا في وجوههم : ماذا تريدون من أبي ؟ دعوه إنه متعب.. مريض.
في جلسة التحقيق الاولى صمم أبو ياسر على الإنكار رغم ما ناله المجرمون منه من اعتداء وتعذيب حتى فقد وعيه ونقل إلى المستشفى ليس رأفة به أوحفاظا على صحته بل لحرصهم الشديد على معرفة من هم هؤلاء ( المجاهدين الذين تعشوا عنده تلك الليلة ). عندما صحا من غيبوبته جائوا يسألونه ثانية قال لهم : اسمعوا لقد جائووني وأكرمتهم في بيتي ولست بذلك الرجل الذي يغدر بضيوفه حتى وإن كانت الروح دون ذلك فافعلوا ما بدى لكم. قام الجنود بزيارة ثانية إلى منزل أبي ياسر وتحدثوا مع أهله وهددوا بأنهم سيهدمون بيتهم الجديد إذا لم يتعاون أبو ياسر معهم وكما توقعوا فقد شق ذلك على أم ياسر. البيت الحلم الذي بدأوا يجمعون له المال منذ حوالي عشرين عاما كم احتملت أم ياسر وكم صبرت لتحقيق هذا الحلم أتذهب أحلامها الغالية أدراج الرياح ؟ هرعت أم ياسر إلى السجن وطلبت مقابلت زوجها ولما علم الجنود بغرض الزيارة وافقوا في الحال على أمل أن تنجح فيما فشلوا هم فيه ولعله يضعف أمام استضعاف زوجته قالت أم ياسر في رجاء : هل أنت تاركهم وبيتنا ؟ هل ستتركهم يجعلون حلمنا سرابا ؟!أرجوك كم شقينا من أجل هذا الحلم حرمنا أنفسنا من ملذات الحياة سنوات طوالا كان الإعياء قد اخذ من أبي ياسر كل مأخذ لكن دموع زوجته ملأة قلبه أسى قال : يا أم ياسر هل ترضين لي أن أخون إخواني وأحرم الأمة من جهودهم وجهادهم ؟ هل تقبلين أن أكون خائنا ألم تكوني تقولين إن الخونة أسوأ من اليهود ؟! قالت وهي تحاول ألا تنظر في عينيه : نعم ولكنك مضطر تريد أن تحفظ نفسك ومالك وأسرتك والضرورات لها حكمها أرجوك. صمت أبو ياسر قليلا ثم قال : يا أم ياسر كوني على ثقة بأني لن أهدم بيتي من أجل أحد أبدا. قرر الضابط المكلف بالمهمة أن يأخذ أبا ياسر إلى مقر منزله الجديد وأعطى أوامره بأن تحضر الجرافة لتكون على استعداد بهدمه وحرص على إحضار أفراد الأسرة كلهم لعل أبا ياسر يضعف أمام بيته وأسرته وجائت ام ياسر إليه تناشده الله وتذكره الوعد أعرض أبو ياسر عنها وعاد الضابط يسأله : ماذا قلت ؟ هذا سائق الجرافة ينتظر الأمر هل ستتكلم الآن ؟ قال أبو ياسر في إصرار : لا. غضب الضابط وأعطى إشارته لسائق الجرافة الذي سارع إلى هدم سور المنزل نظر أبو ياسر إلى أنقاض السور وعادت أم ياسر تناشده وهي تبكي اقترب ياسر من أمه يقول : لو كنت أحد هؤلاء المجاهدين هل سترضين أن يسلمني شخص ما من أجل بيت أو متاع يا أمي ؟ جاءت أم ياسر وقد بدأت الجرافة في تسوية البيت بالأرض وهي تصرخ في وجه زوجها وتقول : ألم تعدني أنك لم تهدم البيت من أجل أحد ؟ قال في هدوء : نعم يا أم ياسر منذ أول شبابي وأنا أعمل على بناء بيتي عند ربي أفأهدمه في لحظة من أجل حجارة وطين ؟!



بقلم : منى محمد العمد


من مجلة الأسرة العدد 183