توفيت زوجته فقال: (كأن القلب قَطَاة غرّها شرك حين كانت زوجتي الحبيبة تفارقني عدة أيام فحسب، ثم - يمن الله - بعودتها إليّ، فكيف به اليوم وقد تركتْهُ في سفرٍ بعيد إلى حيث لا تملك أن تعود؟..
إني لأذكر كيف دارت الأرض برأسي حين أيقنتُ أنها رحلت.. ماتت.. وأذكر أن دمي قد غلى في عروقي دون أن أقدر على أن أُنفِّسَ عن أُوارِهِ المضطرم بدمعةِ عين، حتى إذا تمالكت صوابي بعض الشيء تهيبتُ أن أرجع إلى أكبادي الصغار فأُخبرهم أن أمهم رحلت إلى حيث لا تعود، وكنتُ كالجبان الرعديد لا أملك أن أتقَدّم نحو المنزل خطوة واحدة، وكان الهجوم على عرين الأسد أخف محملاً عليّ مما أنا مضطرٌ لمواجهته، ثم ساعدني الله فتحملت أن أصطلي بالنار تلذع كل جارحةٍ من جوارحي وأنا اصطنع الصبر لأتكلّم......
وأخذتُ أنَفِّسُ عن بركاني المضطرم بما أنظم من شعر بعضه في هذا الديوان وأكثره لا يزال في مسوداتي أُحاذر أن أعود إلى تبييضه فأستعيد هذه الأحاسيس الكاوية التي أوحت به..»
إني لأحذرُ من دخولي منزلي
هًلًعاً وما يُغْني لديَّ حِذارُ
من ذا أُواجِهُ إذ أُبادِرُ غرفتي
(لا أنتِ أنتِ ولا الديارُ ديارُ)؟
أتمثل الأطفالَ في حسراتهم
فأَفِرُّ إذْ لا يُسْتَحَبُّ فرارُ
كَلٌّ يُسِرُّ شجونه مُتحِّرق
كمداً، ولا يخفى عليَّ سِرارُ
وتجيئ (غادة) وهي ذاتُ ثلاثةٍ
ولها كربَّاتِ الحِجَا استفسار
فتقول أُمي يا أبي قد أبطأت
باللهِ أينَ مكانُها فيُزارُ؟
حلّ المساءُ ومرقدي بجواره
أًأبيت وحدي ما لديَّ جِوارُ؟
لم تدرِ ما حَجْمُ المصيبةِ ويحًَه
وأنا بها أدري فكُلِّيَ نارُ
أُبدي التصبُّرَ بين أطفالي لكي
ينسوا وما أنا بينهم صبَّارُ
وأرى دموعهم تفيض فتقتدي
عيني بهم ويسوقني التيارُ
وإذا الكبيرُ بكى بمشهدهم فقد
قامت لدمع صغارِهِ الأعذارُ
زوجاه وا كبدي عليك شقَقْتِني
حُزْناً كجذعٍ شقَّهُ المنشارُ.